لقد أصبح المشهد الليبي دمويا،بسبب عرابي الثورة المضادة وآياديها الممتدة في كل الربوع الليبية.لقد شوه المشهد السلاح المنتشر في كل الربوع ليبيا مع الأسف.وتهدد كل يوم أمن وإستقرار المواطنين .ولعلّ ما ساهم في هذا الوضع التشرذم السياسي والصراعات حول المناصب والمكاسب.وهذا أدى إلى تعثر المسار السياسي .حيث يشوب هدوء حذر طرابلس بعد إشتباكات روعت شوارع طرابلس.وسط مخاوف من حرب أهلية في ليبيا ،بعد إنقسام ليبيا بين حكومتي عبد الحميد الدبيبة وفتحي باشاغا وانزلقت شوارع العاصمة طرابلس إلى اشتباكات حامية أدت إلى دمار وسقوط ضحايا.
لا يمكن تقييم الوضع الحالي للحالة السياسية في البلاد والانقسام الحاصل فيها، من دون الرجوع إلى ماهية هذا الانقسام وبدايته، خاصة بعد اختيار حكومة الوحدة الوطنية، في 5 فبراير/شباط 2021 من العام الماضي، واعتمادها من قبل البرلمان في طبرق بتاريخ 10 مارس/آذار 2021. والناظر لذلك كله لا يجد صعوبة في تحديد موطن الخلل وبداية هذا الاستقطاب الذي كان في بادئ الأمر استقطابًا مصلحيًّا بين البرلمان وحكومة الوحدة الوطنية ليتطور بعدها وينتقل إلى مراحل حادة من الاستقطاب التي دعت كل منهما لإسقاط الآخر، ليس في ظل المصالح التي يحاول أن يجنيها كل فريق، بل أيضًا في ظل قلب المعادلة السياسية والعودة بها إلى المربع الأول، باعتبار أن الاستقطاب بينهما كان، في وقت ما، استقطابًا نخبويًّا عبر تحصيل المصالح، والموازنة بين الاستفادة وعدم إسقاط الآخر. وبمعنى آخر، السير معًا بأهداف مغايرة، وصولًا إلى مرحلة قطف الثمار، غير أن هذا الوضع لم يستطع كلاهما المحافظة عليه، أو حتى السير فيه طويلًا، لاعتبارات قد تكون واضحة لكل متابع، لعل أبرزها: استحالة السير معًا وفق توجهات ورؤى مختلفة تتغذى من الذاتية، وإبراز كونها الفاعل في المشهد الليبي داخليًّا، ومن ثمَّ إقليميًّا. ولعلَّ ذلك هو السبب الرئيسي في سحب الثقة من الحكومة، في 21 سبتمبر/أيلول 2021، حيث وجد البرلمان الحكومة تسحب البساط تدريجيًّا من حلفائه الإقليميين، وتثبت كونها الفاعل الرئيسي في المشهد الليبي. وكذلك كون هذا الاستقطاب، في حقيقته، تحكمه الو لاءات السياسية التي لا يمكنها الجمع بين الشيء وضده.وبالتالي، سرعان ما كان الانقسام وتكوين حكومة جديدة من البرلمان هو الخطوة المتقدمة التي اتخذها البرلمان وداعموه إقليميًّا، بينما كانت الخطوة المضادة من حكومة الوحدة الوطنية وحلفائها إقليميًّا ودوليًّا، وكذلك أوساط داخلية، هو عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة، والتشكيك في شرعيتها، والتوجه نحو الدفع بواقع جديد تكون فيه الانتخابات وتجديد الأجسام التشريعية هو الفيصل في التغيير.
بعد أن أُفشل إجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021 الماضي اعتبر البرلمان أن المعرقل لذلك حكومة الوحدة الوطنية، بينما اعتبرت الحكومة وغيرها من النخب والكيانات السياسية في البلاد أن الفشل في إجراء الانتخابات كان بسبب قوانينها، التي صدرت بشكل أحادي من البرلمان المنقسم على نفسه؛ حيث لم يقدم قاعدة دستورية توافقية تسير عليها الانتخابات، وإنما جاءت على شكل قرارات أحادية ليس عليها اتفاق حتى من البرلمان نفسه؛ الأمر الذي اعتُبر هو مكمنَ الخلل في تعطيل إجراء الانتخابات. وإزاء الفشل وانسداد المعالم الواضحة التي كان من المقرر السير عليها وفق خارطة حوار جنيف اتخذ البرلمان في طبرق التوجه إلى خارطة طريق جديدة لم تُعلم معالمها بالتحديد، وعلى إثر هذا الفعل كان هناك انقسام حاد بينه وبين المجلس الأعلى للدولة في طرابلس بشأن خارطة الطريق المعتمدة من مجلس النواب، القاضية بتشكيل حكومة جديدة والاتفاق على المسار الدستوري لاحقًا؛ الأمر الذي لم يوافقه فيه المجلس الأعلى للدولة، معبِّرًا عن رفضه لخارطة الطريق، وكذلك طريقة اختيار رئيس حكومة جديدة، بعد اتفاق لجنتي مجلسي النواب والدولة على خارطة طريق تؤدي إلى تغيير الحكومة والاتفاق على المسار الدستوري، بتشكيل لجنة دستورية للنظر في مشروع الدستور وتقديمه للاستفتاء،الأمر الذي يُظهر لكل متابع أن هناك خيوطًا غير واضحة المعالم في هذه الخارطة أولًا، وعدم وجود اتفاق بين المجالس التشريعية في البلاد على هذا الإجراء ثانيًا، وإزاء ذلك كله وجود قوى فاعلة إقليمية تدعم وكذلك تغذِّي هذا التوجه المتَّخَذ من قبل البرلمان.
لم يكن هناك اعتراف بـ”الحكومة الليبية” المشكَّلة من قبل البرلمان بشكل صريح وواضح لا من البعثة الأممية في ليبيا، ولا من الدول الإقليمية والدولية المتداخلة في الشأن الليبي باستثناء روسيا التي أعلنت اعترافًا صريحًا بها، كما أن الأمم المتحدة، وعبر المستشارة الخاصة لأمينها العام بشأن ليبيا، أبقت خطوط الاتصال مفتوحة مع كلا الجانبين، ضمن مساعيها للتوصل إلى مخرج للأزمة عبر تحقيق توافقٍ ما بين الطرفين، الذي لم تستطع التقدم فيه إلى الآن، باستثناء بعض التوافقات التي حدثت بين لجنتي النواب والأعلى للدولة في القاهرة إزاء تكوين قاعدة دستورية جديدة، والتي لم تكتمل أعمالها إلى الآن، والتي ستكون مهددة بنسف هذا التقدم في لقاءاتها المقبلة من هذا الشهر عند التطرق لمواد حساسة ومفصلية سواء في شروط الترشح للرئاسة وكذلك المدد القانونية فيها.
كما أن الأمم المتحدة مؤخرًا ترى أن حل الأزمة الليبية لا يَكْمُن في تشكيل إدارات متنافسة ومراحل انتقالية دائمة، بل تتوجه نحو مرحلة دائمة يتفق الليبيون على طريقتها، للحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها، غير أن هذا التوجه لم تقابله خطوات حقيقية نحو ذلك، خاصة أن البعثة لم تقدِّم خطوات عملية وفاعلة بعيدة عن السيناريوهات المتكررة في كل انسداد سياسي يطرأ في البلاد، باستثناء محاولاتها تخفيف حدة الوضع بين الأطراف السياسية في ليبيا، ومراكز القوة المتنافسة فيها.
الكل ربما يتفق “تصريحًا” على عدم استعمال القوة في فرض حالة جديدة في البلاد، غير أن الواقع يكاد أن يكون مغايرًا وإن لم يكن على إطلاقه، فالمحاولة الأخيرة “للحكومة الليبية”، المنشأة من قبل برلمان طبرق، للدخول إلى العاصمة، طرابلس، وفرض أمر واقع جديد فيها، كاد أن يُحدث صراعًا مسلحًا يُدخل البلاد في فوضى مركَّبة، باعتبار مراكز القوة فيها، وكذلك الاستقطاب الداخلي الناجم عن ذلك.
كل ذلك لم يُجد نفعًا في فرض أمر واقع مغاير؛ حيث إن حكومة الوحدة الوطنية لا تزال تحتفظ ببقائها واستمرارها، معتبرة أن الطريق الوحيد الذي يمكن عزلها عن طريقه هو إجراء الانتخابات وتجديد الأجسام السياسية في البلاد الشرعية ومن ثَمَّ التنفيذية؛ الأمر الذي جعل “الحكومة الليبية” -المنشأة من قبل البرلمان- تتخذ مدينة سرت وسط البلاد مقرًّا لها، وفي تعزيز هذا الاتجاه عقد البرلمان جلسة له فيها، في أواخر الشهر الماضي؛ الأمر الذي اعتبره كثيرون -كما هو الواقع- يمثل خطوة في الاعتراف بعدم قدرة حكومة البرلمان على السيطرة على طرابلس أو حتى الاستقرار فيها، وهذه أولى الخطوات في إعلان فشل حكومة برلمان طبرق، كما أن هذا الإجراء ستكون له آثار سلبية على البلاد، اقتصاديًّا وأمنيًّا، ناهيك عن الوضع السياسي المتأزم أصلًا، وكذلك العودة بها إلى المربع الأول، وذلك بأن يكون فيها حكومتان، بشرعيتين متضاربتين، الأولى في العاصمة طرابلس، والثانية في مدينة سرت.
تقرير أحلام رحومة
