- Advertisement -

أزمة الهجرة الغير شرعية في تونس:
لم تعد الهجرة السرية مقتصرة على الشباب التونسي، الباحث عن فرص أكبر في العمل والتحصيل المادي، بسبب الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تونس، وعدم الاستقرار السياسي بل امتدت الهجرة غير النظامية لتشمل عائلات بأكملها، إضافة إلى القُصر الذين اختاروا المخاطرة وركوب البحر من أجل الوصول إلى السواحل الأوروبية.
ظاهرة جديدة لافتة في تونس، ناتجة عن حدة الأزمة الاقتصادية، وضيق الأفق في مستقبل آمن في بلد باتت تهزه الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ما رفع منسوب الإحباط واليأس.
و على الرغم من خطورتها، فإن جزءاً كبيراً من التونسيين يفضّل الهجرة غير الشرعية أملاً في الوصول إلى بلاد يحصلون فيها على حياة كريمة. فيما يلي تفصيل لواقع الهجرة غير النظامية
على متن “قوارب الموت”، يضع شبان وشابات تونسيون مصائرهم، من أجل عبور السواحل التونسية وصولاً إلى أوروبا. باتت القارة العجوز بمثابة طَوق الخلاص لآلاف المهاجرين غير الشرعيين، والذين يحلمون بحياة آمنة.
وعلى الرّغم من خطورة الرحلة، التي خلّفت منذ عام 2011 أكثر من 1500 مفقود تونسي، فإنّ الأمل في حياة كريمة كان المبرِّر لاستمرار تدفّق الآلاف نحو الهجرة غير الشرعية.حيث أنه في الداخل التونسي، تحوّلت الهجرة غير الشرعية وضحاياها إلى خبر شبه اعتيادي. يستمع المواطنون يومياً إلى خبر إحباط محاولات اجتياز قوارب غير نظامية، أبحرت من السواحل التونسية في اتّجاه إيطاليا، بينما تبلغ تكلفة العبور بين 3 آلاف و10 آلاف دينار تونسي (بين 1080 و3600 دولار) للشخص الواحد.

وعلى الرّغم من أن تونس لطالما شهدت موجات هجرة غير شرعية متواصلة، فإنّ النصف الأول من عام 2021 كان استثنائياً. بدا واضحاً الارتفاع في إقدام الأفراد على الهجرة، وتحديداً ظاهرة القصّر، نتيجة عوامل اقتصادية واجتماعية.
وفي هذا السياق يؤكد ويؤكد المكلف بالإعلام بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (مجتمع مدني)، رمضان بن عمر، في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، أن 2249 قاصراً وصلوا إلى السواحل الإيطالية في إطار هجرة غير نظامية، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، واصفاً هذا الرقم بالمفزع وسط غياب رد فعل من السلطات التونسية.
كما يقدر بن عمر عدد العائلات المهاجرة خلال التسعة أشهر الأولى من 2021 بـ300 عائلة. ويشير تقرير سبتمبر (أيلول)، الصادر عن المنتدى، حول الهجرة غير النظامية، إلى أن 48.7 في المئة من المهاجرين من جنسية تونسية و51.2 في المئة مهاجرين من جنوب الصحراء.
ويرجع الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادي والاجتماعية، الأسباب الكامنة وراء تنامي هجرة القصر، إلى ظاهرة الانقطاع الدراسي، الذي بقي من دون حلول، علاوة على أن منظومة التكوين المهني غير قادرة على استيعاب كل المنقطعين عن الدراسة، حيث ينقطع يومياً في تونس حوالى 280 تلميذاً وسنوياً أكثر من 100 ألف تلميذ عن الدراسة، بينما بلغ العدد الإجمالي في العشر سنوات الأخيرة للمنقطعين حوالى مليون تلميذ.
ويؤكد بن عمر، أن مؤسسات الطفولة في تونس، تواجه صعوبات كبرى، تتعلق بالانتدابات والتمويل، لذلك لم تتمكن من استيعاب الأطفال وتأطيرهم، مضيفاً أن العائلات أصبحت تدفع بأبنائها نحو المخاطرة بالهجرة السرية وتعمل على توفير المال الضروري لتلك العملية.
من جهة أخرى يشير بن عمر إلى أن بعض العائلات التونسية باتت تعتبر أن الخطر لم يعد في الهجرة السرية، بل في المحيط وفي المجتمع نتيجة انتشار العنف والجريمة وعدم توفر موارد الرزق.
إلى جانب ذلك ، لم يعد اللجوء إلى قرار الهجرة غير الشرعية أمراً يقتصر على الفئات المهمَّشة والأميّين، بل بات أصحاب الشهادات يحذون حذوَ من سبقوهم.
ويُشارك أصحاب الشهادات بكثافة في الإقدام على الهجرة، بعد أن عجزت وظائفهم عن تحقيق الحد الأدنى من توقعاتهم.
وخلال عام 2020، أثقلت جائحة كورونا التداعيات الاقتصادية والاجتماعية على قطاعات كانت تملك قدرة تشغيلية عالية في تونس، مثل قطاعَي السياحة والخدمات، فضلاً عن معاناة إنسانية خلّفت أكثر من 20 ألف ضحية جرّاءَ الوباء، ليصبح بذلك الخلاص الفردي هو الحل، عبر “قوارب الموت”، وليس الخلاص الجماعي الذي يُفترض بالسلطة أن تؤمّنه.
وبخصوص الحلول، أكد الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادي والاجتماعية، أهمية تنقية المناخ السياسي العام، والعمل بشكل مكثف على مسألة الملفات الاجتماعية، وتحسين الخدمات الأساسية من صحة وتعليم، والعمل على إيجاد مسارات هجرة منظمة مع الدول الأوروبية، من خلال إبرام اتفاقات مع إيطاليا وفرنسا، من أجل إرسال المهارات الفنية والتقنية من الإطارات التونسية.
وتغيرت الملامح النفسية والاجتماعية للمهاجرين خلال سنوات ما بعد 2011، بعد أن كانت الهجرة السرية تستهوي الفئة القادرة على العمل وبخاصة من فئة الشباب، لتشمل اليوم الفتيات والقصر والعائلات، وهو ما يعكس عمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها تونس.
يرى المتخصص في علم الاجتماع بالعيد أولاد عبد الله، في تصريح خاص، أن أسباب هجرة العائلات والقصر، مرتبطة بالواقع التونسي الاقتصادي والاجتماعي المتردي، وغياب مقاربات دولية تشاركية لحل هذه المعضلة.
ولفت أولاد عبد الله، إلى أن الدول التي تستقبل المهاجرين غير النظاميين تولي مكانة خاصة للأطفال، والعائلات وهو ما شجع على هجرة هذه الفئات.
في المقابل، أكد عبد الرؤوف الجمل، المدير العام للمرصد الوطني للهجرة (مؤسسة عمومية) أن عدم الاستقرار السياسي، علاوة على الظروف الاقتصادية التي تمر بها تونس، تدفع إلى تنامي هذه الظاهرة، مشيراً إلى أن الأرقام ليست دقيقة حول ظاهرة هجرة العائلات والقصر، إلا أنه اعتبرها أرقاماً مفزعة، وتتطلب جهداً أكبر للتشخيص وإيجاد الحلول.
وشدد الجمل على أهمية المعالجة وفق رؤية متكاملة، تتضافر فيها جهود الدولة والمجتمع المدني، بالتعاون مع الدول التي تستقبل المهاجرين غير الشرعيين، من أجل بلورة مقاربة مشتركة لمعالجة الظاهرة.
ولفت إلى أن عدم التوازن في التنمية على مستوى وطني (بين الجهات)، يدفع العائلات إلى الهجرة الداخلية نحو المناطق الأكثر حظاً في التنمية، على غرار المناطق الساحلية، ومن ثمّ التوجه نحو الهجرة غير النظامية.
ودعا المدير العام للمرصد الوطني للهجرة، إلى تسهيل الهجرة العادية وتقنينها، للحد من الهجرة غير النظامية من خلال التقليص في إجراءات التأشيرات، ومزيد من التعاون الدولي لحل هذه المعضلة.
يذكر أن المرصد أطلق حملة توعوية واتصالية عنوانها “الصحيح” تهدف إلى التوعية بمخاطر الهجرة غير النظامية، عبر توثيق مساراتها في شكل ورشات فنية، وسينمائية، بمختلف مراحلها، بناء على شهادات لمهاجرين سابقين، خاضوا التجربة، وتعرضوا خلالها إلى الاختفاء، أو الترحيل، أو مختلف أشكال الاستغلال الاقتصادي والجنسي، وكذلك الانخراط في الجريمة المنظمة، والشبكات الإرهابية والمخدرات.
وتسعى هذه الحملة لتدريب وتكوين ناشطين من المجتمع المدني، في مجال التوعية والاتصال، وتمكينهم من مهارات حول استراتيجيات التواصل من أجل تنظيم أنشطة توعوية واتصالية لفائدة الشباب وعائلاتهم بمخاطر الهجرة غير النظامية.
تقرير أحلام رحومة



- Advertisement -

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *